onsdag 6. mai 2015

كنت جاسوسة في المدينة النوّرة 3


Bildresultat för ‫حصان مجنح‬‎ 


 

يهزّ البراق جناحيه الضخمين مثيراً زوبعة من الريح حول جسدي الذي لا يكسيه إلا برنص رقيق. من شدّة اندهاشي لوقوف هذا الكائن العجيب خارج نافذتي لم يخطر على بالي أن الطيران في الليل مسألة تستدعي لباساً يقي من لسعات الريح الباردة و الرطوبة التي تتحول إلى سناسيل ماء رفيعة على ذراعيّ و ساقيّ العاريتان كلما خضنا في غيمة في طريقنا الجوّي.

في البداية يتسلل البرد عبر طبقات جلدي الأولى، ثم سرعان ما يصل إلى نقي العظم فابدأ بالارتجاف و صكّ الأسنان. سامح الله رسول الله! لم يترك دليل سفر للعارجين إلى السماء بين أحاديثه التي تُعدّ بالآلاف و تصف و تشرح و تمعن في الشرح لتسهيل، او على الأغلب تعسير، كل فعل صغير او كبير قد يصادف المرء في حياته، و الأغلب ألّا يصادفه. أما هذه الرحلة السماوية فمتروكة لفطنة المسافر.

سقى الله أيام السفر المرفّه في صالات البوينغ إير باص المكيفة، المقعد المريح و الموسيقا الهادئة. زمجرة الريح تكاد تثقب أذنيّ، و البغل تحتي لا يطير كالنسور و النوارس بأجنحة ثابتة مفرودة، و انزلاق أنيق على أمواج الهواء. طيران البراق، و العياذ بالله، يشبه هزّة أرضية. كلما أخفض جناحيه ارتفع جسده الثقيل بنترة و سقط قلبي من الصدر إلى الأحشاء، و كلما رفع جناحيه استعداداً لرفّة جديدة و انخفض جسده، صعد قلبي من الأحشاء إلى الحنجر. أشعر بالغثيان الشديد.

فجأة ألمح أرضاً منبسطة في المدى المكشوف و أتنفس الصعداء. ولكنني سرعان ما أكتشف أن فرحتي بالخلاص جاءت قبل الأوان بقليل، فعندما يستعد البراق للحطّ على اليابسة يذكرني أسلوبه البهيمي بأن المشكلة ليست فقط في التحليق و الطيران، بل إنها تستمر حتى عندما يأتي الأمر ل.....

- آآآآآه  !

أول ما يحطّ من جسدي المتجلد هو الوجه و اليدين، يتبعها باقي الجسد. عندما أرفع وجهي من الأرض الطينية مستندة بذراعي أرى البعيرة التي قذفتني في الهواء حال حطوطها المزري تجترّ العشب على بعد خطوتين مني غير مكترثة بحالي.

- يا دابة! يا ابن البغلة!! يا...

المسبّات بأشكالها التكفيرية و النكاحية و العنصرية تحتشد في دور طويل على لساني، و لكن صوت ضحكة ناعمة يوقف رشّاشي الكلامي و يجعلني ألتفت. رجل بشعر طويل مفرود على الكتفين، بقميص وردي اللون و بنطال فضيّ ضيق يخطو نحوي ثم يمد لي يده بحركة أنوثية أنيقة و يقول: لا تؤاخذي البراق يا حبة عيني. لم يتمرّن على الطيران منذ ليلة القدر.

يقول هذا ببشاشة ثم يغلبه الضحك مجدّداً فترتفع اليد التي كانت ممتدة إليّ لتغطي الفم بدلع واضح. أنهض من بركة الوحل التي رسمها ثقل جسدي على الأرض الرطبة و أقول بتجهّم و عبوس: أين أنا؟

يبتلع مستقبِلي ريقه، يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول بجدّية مصطنعة: أهلاً بك في كوكب عدن!

ينحني بطريقة أكثر اصطناعاً و يحرك يده اليسرى بشكل دائري يذكرني بتحيات البلاط في المسرحيات التاريخية.

- أنا سمعت و قرأت عن جنة عدن في القرآن و الكتب الدينية، و لكنني لم أسمع بكوكب عدن.

يقترب مني و يهمس في إذنيّ على الرغم من أنه لا يوجد غيرنا نحن الاثنان و البغل ابن البغلة على مدى البصر.

- هذا الكوكب جنة لأناس و علقم لأناس، الأمر يعود للعدّة.

 يقول هذا و ينظر إلى نقطة تحت صرّتي و بين فخذيّ و يغمز بعينه. أنتبه لأن حزام البرنص قد انحلّ أثناء الطيران، و لا عجب، و أسرع إلى لفّ البرنص حول جسدي العاري و شدّ الحزام.

- ماذا أفعل هنا؟ أسأل و تجتاحني فكرة مروّعة. –هل أنا ميتة؟ ولكن ... طماطمي و خياري! أشعر برغبة في البكاء.

الرجل البشوش يردّ بابتسامة صامتة، ثم يصفّق براحتي يديه و يضرب برجله اليسرى على الأرض. حافلة بيضاء مكتوب على جدرانها نصوص بلغات متعددة تظهر أمامنا من لا مكان، و كأنها قدمت من وراء حائط خفيّ. يد مستقبِلي تشير لي بالصعود إلى الحافلة بليونة.

حافلة! في جنة عدن!

 لم يرد هذا في القرآن. هل وصلت الحداثة إلى عالم الغيب أيضاً؟

 أتسائل في نفسي و أنا أصعد إلى الحافلة.

  و يتبع...