onsdag 19. august 2015

سرب الجراد الداعشي


أعتذر عن نشر هذه الصورة. أنا عادة لا أنشر صوراً من هذا النوع، و لكن في بعض الحالات يرغم الإنسان على رؤية بشاعة الجريمة كي يفهم طبيعة المجرم



 


المعاجم و كتب المرادفات لا تحتوي على تسميات و أوصاف تلائم داعش. لذلك أشعر بعجز لغوي عند محاولة التعبير عن استنكاري الشديد و العميق للجريمة الجديدة التي اقترفتهاهذه المرتزقة الحقيرة بحق أحد أهم علماء الآثار في العالم العربي، مدير آثار تدمر الفقيد خالد محمد الأحمد.

جرائم هؤلاء الهمج بحق الإنسانية قد فاقت طاقة الإنسان الطبيعي على الاستيعاب. و لكن لهذه القضية أبعاد أخرى عميقة و هي اعتبار آثارنا التي ورثناها عن أجدادنا في الحضارات القديمة رجساً من الشيطان، وصفها بالأوثان و تعذيب و قتل المسؤول عن حفظها و ترميمها بتهمة الردة. نعم، لقد شاهدنا على الشاشات محاولة تحطيم الآثار الآشورية و اجتاحتنا الصدمة، سألنا أنفسنا وقتها: هل تم اختراع آلة الزمن و تم عبر أول تجربة جلب هؤلاء الرعاع من بدايات القرون الوسطى؟! نعم، قد اهتزت أعماقنا آنذاك غيرةً على آثار منطقتنا و كنوزنا الثقافية. و لكننا الآن نقرأ على اللائحة المثبتة على جثة المقتول حكم ردة مبني على علاقة عالم الآثار بالآثار، تماثيل مدينة زنوبيا.

يا لمأساة الشرق الأوسط! يا لفجيعتنا نحن شعوب المنطقة التي كانت مهد الحضارة و بؤرة الإنسانية و الثقافة! الجراد الداعشي سقط على بلادنا غيمةً سوداءِ من الجحيم. و قد خبرنا قريباً على أيدي هذا الجراد البلايا العشر بصيغة القرن الواحد و العشرين. و لكن أي فرعون يظن الطغاة الهمجيون أنهم يحاربون؟ أكثر الديكتاتوريين العرب سفالة يظهر أمامهم كتلميذ في أساليب العنف و القهر و التدمير و الإرهاب الفكري و النفسي. أحقر حاكم عربي حصل عن طريق هذه المرتزقة على شهادة حسن سلوك. يا للمأساة! يا للفجيعة!!

ماذا سأفعل في هذه الظروف أنا الكاتبة الحرة؟ الليل حالك و علائم الطرق مغطاة بالسواد. و لكنني لن أقعد على الأرض و أذرف دموع الخنساء على شعبي المطعون بألف سكين سامة. بل سأتكلم. سأكتب. لأن ما يخافه الأميون الذين لا يفقهون المعاني و لو فكوا لغز الحروف، و الذين لا يجيدون من لغات الأرض إلا زعيق "الله أكبر" المشؤوم، هو كلمات الفكر الحر الذي يرفض العبودية لهذا الله زعيم العصابة.

سأتكلم. و لكنني لا أخاطب داعش مباشرة بل بضمير الغائب، لأن كل عضو في التنظيم ذكراً كان أم أنثى، قد  فقد إنسانيته لدرجة تفقده حتى الحق في أن يكون مخاطباً. السبب الاساسي لوجود هذه الحثالة البشرية المريضة في أراضينا هو أننا أهملنا واجبنا الإنساني و الأخلاقي بإصلاح دين الإسلام و نزع فتيل العنف منه. تركنا شيوخ المساجد الجهلة، التي لم تقرأ إلا حفنة من كتب كتبت من ألف عام و أكثر، تخطبفي الحشود عن الجهاد و تدعو بإبادة الكفار، تنشر فكر التقسيم و العنصرية و العنف. لم نعترض على مناهج الدراسة في كليات الشريعة حتى فرخت حاضنات الإرهاب في السعودية و المراكز الإسلامية التي تدعمها مالياً و تمدها بالمناهج، جيلاً من الشباب، أقل ما يقال عنه أنه منحط عقائدياً و فكرياً و إنسانياً. هذا النموذج من شلة اللصوص قطاعي الطرق، مغتصبي الأطفال و النساء و الرجال، مستعبدي البشر، ناشري الدمار و النار و الجحيم و كأنهم رسل شيطان من أعماق الجحيم، داعش، لم يكن لينشأ دون الحاضنات المسَيَّجة بذهب البترول و الأسلحة المستوردة.

داعش ليست دولة و ليست تنظيماً، فإن إنشاء الدول و المنظمات يتطلب مقدرات ذهنية إبداعية هي بعيدة كل البعد عن أولئك الروبوتات المبرمجة دينياً، المشوّهة أخلاقياً، و التي تنتشر في الأرض بمحض الصدفة، على إثر الفوضى التي أحدثتها حرب و نزاعات العراق و الحرب الأهلية السورية. انتشار داعش كان انتشار الفيروس في جسد الدول المريضة، و لم يكن نتيجة تخطيط. الجراد لا يخطط. إنه يتحرك، يقضي على الأخضر و اليابس، يسلخ جلد الحضارة، و لا ينفع معه إلا الإبادة الشاملة للسرب.

لا أمنح الداعشيين ما هم بعيدون كل البعد عن استحقاقه، لا أصفهم بخصوم أيديولوجيين، بأصحاب فكر، لا أصفهم بأصحاب عقيدة أو سياسة، كل من فعل هذا أخطأ خطأ فادحاً بالتقدير. داعش ليست فكراً معارضاً بل هي انتحار الفكر، كره الآخر كائناً من كان، البطش الاعتباطي، التشوه النفسي و الجنون السادي، العنصرية و الاسترقاق، إنها أخواتي و إخوتي الكرام في الإنسانية حالة فريدة من نوعها، مرض سعار.

و لكن لا تخافوا و لا تحزنوا، فإن حكمة الطبيعة واضحة جلية للعيان. الجراد الأسود لم يستطع يوماً إلا أن يؤرق نوم الإنسانية بضع ليالٍ عسيرة. في النهاية تنتصر الإنسانية، ضوء النهار، حب الحياة، نزعة البقاء، التوق إلى الحرية و فيضان الإبداع.

كل زبالة العالم من أشباه البشرالذين تجمعوا في العراق و الشام ليعيثوا الفساد و يلعبوا لعبتهم الصبيانية المدمرة، سينتهون في المقابر الجماعية أو في سجون الاعتقال الأبدية. قريباً .

اطمئنويا إخوتي و أخواتي في الإنسانية فأنا رغم غضبي العادل أشعرباطمئنان كل من درس التاريخ و فهم منطقه. البلاوي العشر المجتمعة في هجوم سرب الجراد و احتقان أجساد الأمم في المنطقة لن يمحو شعوباً عن الأرض و لن يغتال حضارات عريقة، بل سيلقحنا هذا الهجوم الشرس ضد آفة الإسلامية، سيعلمنا أن نقلع أظافر و أنياب الإسلام و كل دين يطلب السجود التام للفكر، ستمنحنا هذه التجربة حافزاً لتقوية مكانة العلم في بلادنا و استبدال مدارس تحفيظ القرآن و المناهج الببغائية بمدارس تعلم أطفالنا الفكر التحليلي و تدربهم في الفكر النقدي و تطلقهم إلى عالم مفتوح ليس فيه أسوار و بوابات مقفلة ليصنعوا الغد تحت سماء زرقاء صافية.

لعالم الآثار السوري الراحل أقول: شكراً لما قدمته من أبحاث و كتب عن حضارات منطقتنا الجميلة. الأجداد الذين رفعوا أعمدة تدمر العالية دون آلات و تكنولوجيا و نحتوا أجمل التماثيل و اللوحات و نشروا نور العلم، خلّفوا نسلاً عنده المقدرة على الحياة و صنع الحضارة.

 ارقد بسلام!