onsdag 7. desember 2016

مشروع كتاب. مُسَوَّدة 2

(أنت و أنا نقعد على كرسيين بالاتجاه نفسه و ننظر إلى نقطة مبهمة أمامنا. الغرفة فارغة تماماً من أي أثاث. عتمة)

من أين أبدأ؟
تبدئين ماذا؟
سرد الحكاية
الحكاية؟
نعم، الحكاية
(صمت قصير)

أنا: حكاية اليهود بين الليلة الكريستالية و صواريخ حماس
(ضحكة استهجان ثاقبة)

اليهود!!! لا حول و لا قوة إلا بالله! نرسلكم لجامعات الغرب لتحصلوا على علم ينفع الأمة، فتعودون لنا مغسولي الأدمغة بصابون صهيوني

ماذا كنت تتوقع؟ أن نعود بإجازات جامعية تحت الإبط لنقعد على كرسي الحكواتي في مقهى النافورة و نعيد سرد حكاية بني هلال؟

لا، لا أعني هذا بالطبع! و لكن ألم تسمعي عن الإعلام الصهيوني؟ أخطبوط بأذرع عابرة للقارات، ينفثُ حكايات ملفّقة دون توقف في كل أرجاء المعمورة، و تتحول إلى مقالات و أفلام وثائقية و سينمائية بكل لغات العالم.

أية حكايات ملفقة تقصد بكلامك؟
حكايات المظلومية اليهودية، الإبادة المزعومة خلال الحرب العالمية الثانية. هذه الحكايات قد حازت على أضعاف ما تستحقه من الاهتمام
(تتنهد بعمق. أدير وجهي نحوك)

ليتكَ تساعدْني بالعثور على كتاب عن هذا الموضوع المعجون و المطحون و منتهي الصلاحية باللغة العربية، فلقد بحثت و لم أجد
كتاباً واحداً بلغتنا

العربية أم الإيطالية، أم المريخية، لا يهم! نحن نعلم كل شيء. نعلم! النازيون الألمان قتلوا ستة ملايين يهودي. نعلم هذا جيداً. عن ماذا ستكتبين؟! ماذا ستضيفين؟

ستة ملايين يهودي

بالضبط. ستة ملايين يهودي

احكِ لي حكاية واحد من هؤلاء الملايين الستة
(صمت قصير، ثم...)

لماذا؟ التفاصيل غير مهمة. قصص القتل، قصص الموت، مكانها القبور، لماذا تريدين إيقاظ أشباح الظلام؟ و على أي حال لن تغير هذه القصص من الحقيقة، أنهم قتلة، أنهم معتدون، أنهم مغتصبون! ويحكِ! أتريدين تبرئتهم؟!
(تدير وجهك نحوي، تنظر إليّ باستهجان، أهزّ رأسي بالنفي)

أنا لست محامية أو قاضية. أنا حكواتي

ألم يكفهم نواح نصف قرن و ما يزيد؟ أتنوين مؤازرتهم في اللطم أمام حائط المبكى؟!

التعلق بذيولهم؟! هل تظنين أن موسى سينزل من السماء و يقبل جبينك امتناناً على انسلاخك عن أمة محمد

انسلاخ!!

انفصام. متلازمة استوكهولم. انتقام. لا أدري. و لكنني متأكد من أنكِ لو كنتِ ما زلتِ تحملين رائحة تراب الشرق تحت جلدك، لحكيتي حكايتنا نحن!

(تنهض من على الكرسي و تقف منتصباً أمامي)
حكايتنا التي صمّ العالم أذنيه عنها، حكاية الأرض التي اغتصبوها، المقدسات التي دنسوها بأبواطهم العسكرية، حكاية اللاجئين و الخيام و المجازر و البرتقال الدامي و سيل الدموع و قافلة الشهداء، حرب لبنان و قصف غزة، الحصار و السور. هذه هي الحكاية!
(ألاحظ ارتعاشة خفيفة على شفتيك. تدير وجهك باتجاه الحائط)
(صمت، ثم...)

أنت: لقد أُرْضِعتُ حب القدس... قبل أن تبكي التي أرضعتني و هي تحكي... كيف مشتْ مُجَنْزَرَةٌ على طفلٍ، و كيف مسيرُها مَهْلُ... و كيف تداخلتْ شَرَفاتها بعموده الفقري في حقدٍ، و صار اللحم في الشَرَفاتِ ينتقل... و كيف تَسَطَّحَتْ في الطين صرختُهُ، بما داسَ الحديد و غارَتِ المُقَلُ... و جاءت أمه تمشي بكفيها على ما تترك الشرفاتُ من لحمٍ تنثر حوله القُبَلُ... تعثّرَ صوتُ أمي و اعتلى كلماتِها الشللُ، و قالتْ لي قضيتنا...
(صمت متوتر. تبلع ريقك، أو ربما تبلع دمعة)

أنا: مُظَّفر النوّاب، شاعر الرصاص و الدم

عجبي! حسبتكِ قد نسيتي شعر القضية التي بيعت بالمزاد العلني

 لا، لم أنسَه
(تنظر إليّ بتحدٍّ)
القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟ أولادَ القحبة! لست حزيناً حين أصارحكم بحقيقتكم، إنّ حظيرة خنزيرٍ أطهرُ من أطهركم

(أرمقك بنظرة احتجاج)

الظاهر أن الموت في نظرك أنواع. أمواتنا تصرخ بينما أمواتهم لا يُسمح لها أن تَنْبُس ببنت شفة، تحكي حكاية موتها

ويحكِ بماذا تثرثرين! المسألة ليست أمواتهم مقابل أمواتنا! القضية قاتلٌ و قتيل! مجرم و شهيد!
تخطو خطوتين إلى الوراء مبتعداً عني. تنظر إلى نقطة في الحائط)

الشهداء لا يتشابهون. لكلِّ واحدٍ منهم قَوامٌ خاص، و ملامح خاصة، و عينان، و اسم، و عمر مختلف. لكنَّ القتلة هم الذين يتشابهون. فهُمْ واحدٌ موزَّع على أجهزة معدنية. يضغط على أزرار الكترونية. يقتل و يختفي. يرانا و لا نراه، لا لأنه شبح، بل لأنه قناع فولاذي لفكرة. لا ملامح له و لا عينان و لا عمر و لا اسم. هو... هو الذي اختار أن يكون له اسم وحيد: العدّو! نعم، محمود درويش فهمها لأنه كان واحداً منا. الموضوع لا يحتمل التنظير من بعيد. عليكِ أن تجدي نفسكِ فجأة أمام فوهة الرشاش، تشعري بضربات قلبك في حلقك لتفهمي الحكاية.
(أنهض من على الكرسي بهدوء، حذر)

دعني أشرح. أنت تتحدث عن أمواتنا و أحيائهم. أنا أتحدث عن أمواتنا و أمواتهم، و هي حكاية مختلفة تماماً عن الحصار داخل جحيم نيرون الإسرائيلي التي رسمها شعراؤنا و أدباؤنا و سياسيونا في المخيلة العربية
لهب الغضب مشتعل في عينيك)

نحن نحترق ببطء. الناس ملتهون بمشاهدة فيلم أمريكي طويل. و حضرتك تريديننا أن نحترق بصمت بينما نحن نستمع لحكاية محرقة اليهود!!

(تصرخ)
مالي أنا و محرقة اليهود؟؟!! هل أشعلتُها أنا؟ هل نفخت في نارها؟ بل هل وقفتُ متفرجاً بينما كانوا يُساقون إليها؟!! اشرحي لي بحياة و عرض عشيرتك كلها، ما دخلي أنا؟؟ لماذا ينتقمون مني أنا؟؟!
(أنا"، الكلمة الأخيرة، تقذفها في وجهي شعلة حارقة. صمت طويل مشحون بتوتر")
(تستعيد بعض الهدوء)

سنعود نحن و يخرجون هم. حقنا لأرضنا مقدس. أما أنتِ فلا تحشري أنفك بما ليس من شأنك. أنتِ لستِ فلسطينية الميلاد

دعني أصارحك بشيء. أتمنى لو كان كلامك ممكن التطبيق. أتمنى لو كان بإمكاني أن أتركك و شأنك، و لكنك تؤرق نومي. تنغّص علي في نهاري. ليس عندي خيار

لا تلعبي دور البطل المُكْرَه، اتركي الموضوع و ارحمينا يرحمْكِ الله. أنتِ لم تضعي قدماً في أرض المقدس. أما أنا، أنا صاحب الأرض دون سواي، و أنا، أنا فقط من يحدد ما هي الحكاية.
(أتنهد بعمق)

فات الأوان على هذا الكلام، فات الأوان. البقعة الجغرافية بحجم الكفّ التي لم يكن لها اسم و لا حدود،
قد تحولت بعد عقود من تضخم المفردات السياسية و الدينية إلى عضلة  القلب لعالم كامل، عالمنا العربي.
.فلسطينكم تحتل فكرنا، تضرب عليه الحصار، تضيِّق عليه المنافذ، تمتص منا الطاقة، تشنق كل الساعات بين أقصى المغرب إلى حدود العراق و الشام، توقف الزمن و تَذَرُنا محتجَزين في غضب الآباء و الأجداد، نكرر الحكاية نفسها على بعضنا و على أطفالنا و تشلنا لعنة التكرار.

(أمشي خطوة جديدة نحوك. أضع يدي على كتفك)

أترى؟ هذا يعنيني أيضاً
(( تمسك بيدي و تزيحها عن كتفك
دعني أحاول سرد حكاية أخرى، لا ، بل الحكاية، نعم الحكاية نفسها. و لكن هناك فصول مفقودة، مخبّأة، ضائعة. لا أدري.
من أين أبدأ؟


حقوق النشر و الطبع محفوظة للمؤلفة

إن نشر أي جزء من هذا المُؤَلَّف دون الاتفاق مع المؤلِّفة سيُلاحَق قانونياً كسرقة أدبية.

اقتباس فقرات من المقالات مسموح بشرط تحديد المصدر، اسم المؤلفة و الرابط لموقعها الالكتروني.