mandag 6. april 2015

لن يكون موتك هباءً يا فرخندة





الخطبة التي ألقيتها في تجمع سلمي لنبذ العنف في ساحة المواطن قرب المسجد الكبير في استوكهولم بتاريخ 4 نيسان


 
إن من أبرز الدلائل على تطور الدين و قدرته على استيعاب الحضارة الانسانية بتعبيراتها المتنوعة هي التجريد، اي الفهم الذي يعتمد على أن النصوص و الرموز المقدسة تستمد قيمتها من مضمونها لا من وجودها المادي. ما جرى في كابول مؤخراً، حيث قامت مجموعة من الهمج بتعذيب امرأة أفغانية بالضرب بالأيدي و الرفس بالأقدام، ورميها دامية الوجه و الجسد من مكان مرتفع، ثم حرقها و ما زالت حية، إنما هو دليل قاطع على أن الإسلام للأسف الشديد لم يصل إلى هذه المرحلة من التطور.

ماذا فعلت المرأة المسكينة، فرخندة، لتنتهي حياتها بهذا الشكل المروع؟ التهمة التي أُلصقت بها و أدت إلى الفعل الشنيع هي حرقها للقرآن. لقد سمعت البعض يدين الجريمة بحجة أن التهمة كانت باطلة. فرخندة لم تحرق القرآن. أسأل هؤلاء اليوم: هل تختلف القضية إن افترضنا أن التهمة كانت صحيحة؟ ماذا لو أني انصدعت لرغبتي اليوم، أحضرت معي النسخة التي أملكها من نسخ القرآن التي تعدّ بالملايين، لا بالمليارات، و التي توجد في كل أنحاء العالم، وأحرقتها الآن أمامكم هنا؟ أسأل: هل يجعلني هذا مستحقة للمعاملة الفظيعة التي تلقتها فرخندة؟

إن من يجيبون: "نعم، تستحقين هذه العقوبة" يُعدّون بالآلاف. و جرائمهم أصبحت كثيرة. قتل امرأة بريئة بأساليب بدائية يصعب اختيار كلمات لوصفها لم تكن جريمتهم الأولى. لقد استخدموا الأطفال و النساء من المدنيين كدرع بشري في قطاع غزة . لقد أحرقوا رجلاً اردنياً مسلماً داخل قفص حديدي في سوريا. في العراق بتروا رؤوس العشرات و قتلوا الآلاف من المسلمين و غير المسلمين المنتمين إلى دول، إثنيات و ديانات مختلفة. في كينيا اقترفوا مجزرة دامية في حرمة جامعة وقع ضحيتها نحو مائة و خمسين طالباً مسيحياً.

 هؤلاء الإرهابيين الذين لا يرون من الدين إلا القشور الذابلة الميتة، ولا يعون إلا رسالة العنف البدائي، قد أشعلوا حريقاً في دار الإسلام و احتجزونا، من وُلدنا في دار الإسلام، كرهائن. الدار يحترق اليوم تحت أقدامنا، و إن لم نبذل الجهود في إطفاء النار، مقاومة الهمجية المتعصبة و العمياء، فإن قاعدة الإسلام الحضارية ستتحطم أمام مرىءً منا.

ما حدث لفرخندة لم يكن حدثاً عابراً في مكان ناءٍ. ما حدث يخصّني و يخصّك. يهدّدني و يهدّدك. دعونا نعلن اليوم أن موتها لم يكن هباءً.

ليكن موت فرخندة دعوة لنا إلى الدفاع عن الحياة و الكرامة و تذكيراً بضرورة العمل لخلق إسلام متنوّر. دعونا نستعيد صلاحية تعريف الإسلام من قبضة المتطرفين الذين يعبدون المحسوسات الخرساء، ولا يعون المعاني و المضامين في النصوص. هؤلاء يذنبون بحق الله و الإنسان كل يوم في سوريا و العراق و ايران و أفغانستان و ليبيا و نيجيريا و دول أخرى في الشرق و الغرب. هؤلاء المتطرفين يحملون أسماءً مختلفة: داعش، القاعدة، حزب الله، الشباب، حماس، بوكو حرام. نحن على يقين اليوم بعد ما سمعنا و شهدنا من شرهم جميعاً أن هذا التطرّف غير المقدس، بغض النظر عن الاسم و الراية، يمثّل خطراً على الإنسانية و الحضارة في بلاد المسلمين وفي كل أنحاء العالم.

 اليوم اجتمعنا هنا لنتعهد لفرخندة و لضحايا هذا التطرف جميعاً أننا سنقف في وجه هذه التطرّف. ليس هناك مكان للعنف و الإرهاب في المستقبل. من حمل السيف و الرشاش و شعلة الحقد من المسلمين عليه أن يغادر القافلة.

 
 .اشترك في هذا التجمع منظمات مغتربين عديدة و ممثلة عن حزب البيئة السويدي